فصل: تفسير الآية رقم (84):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (80):

{فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
أخرج ابن جرير، عن ابن إسحاق رضي الله عنه {فلما استيأسوا منه} قال: أيسوا ورأوا شدته في الأمر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {خلصوا نجياً} قال: وحدهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قال كبيرهم} قال: شمعون الذي تخلف أكبرهم عقلاً، وأكبر منه في الميلاد، روبيل.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {قال كبيرهم} هو روبيل، وهو الذي كان نهاهم عن قتله، وكان أكبر القوم.
وأخرج ابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أو يحكم الله لي} قال: أقاتل بالسيف حتى أقتل.
وأخرج أبو الشيخ، عن وهب رضي الله عنه قال: إن شمعون كان أشد بني يعقوب بأساً، وإنه كان إذا غضب، قام شعره وانتفخ، فلا يطفئ غضبه شيء إلا أن يمسه أحد من آل يعقوب. وإنه كان قد أغار مرة على أهل قرية فدمرهم. وإنه غضب يوم أخذ بنو يعقوب بالصواع غضباً شديداً. حتى انتفخ، فأمر يوسف عليه السلام ابنه أن يمسه، فسكن غضبه وبرد، وقال: قد مسني يد من آل يعقوب.

.تفسير الآيات (81- 83):

{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه قرأ {إن ابنك سرق}.
وأخرج ابن جرير، عن ابن زيد رضي الله عنه قال: قال يعقوب عليه السلام لبنيه: ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم. قالوا: ما شهدنا إلا بما علمنا، لم نشهد أن السارق يؤخذ بسرقته إلا وذاك الذي علمنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم رضي الله عنه أنه كره أن يكتب الرجل شهادته، فإذا استشهد شهد، ويقرأ {وما شهدنا إلا بما علمنا}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وما كنا للغيب حافظين} قال: لم نعلم أنه سيسرق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {وما كنا للغيب حافظين} قال: ما كنا نعلم أن ابنك يسرق.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وما كنا للغيب حافظين} قال: يقولون ما كنا نظن أن ابنك يسرق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وسأل القرية} قال: مصر. وفي قوله: {عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً} قال: بيوسف وأخيه وروبيل.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً} قال: بيوسف وأخيه وكبيرهم الذي تخلف.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي روق رضي الله عنه قال: لما حبس يوسف عليه السلام أخاه بسبب السرقة، كتب إليه يعقوب عليه السلام: من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله إلى يوسف عزيز فرعون، أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء، إن أبي إبراهيم عليه السلام ألقي في النار في الله فصبر، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً، وإن أبي إسحاق عليه السلام قرب للذبح في الله فصبر، ففداه الله بذبح عظيم. وإن الله كان وهب لي قرة عين فسلبنيه، فأذهب حزنه بصري، وأيبس لحمي على عظمي، فلا ليلي ليل، ولا نهاري نهار، والأسير الذي في يديك بما ادعي عليه من السرق أخوه لأمه، فكنت إذا ذكرت أسفي عليه قربته مني، فيسلي عني بعض ما كنت أجد. وقد بلغني أنك حبسته بسبب سرقة، فخل سبيله، فإني لم ألد سارقاً وليس بسارق، والسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي الجلد رضي الله عنه قال: قال له أخوه: يا أيها العزيز، لقد ذهب لي أخ ما رأيت أحداً أشبه به منك، لكأنه الشمس. فقال له يوسف عليه السلام: اسأل إله يعقوب أن يرحم صباك، وإن يرد إليك أخاك.

.تفسير الآية رقم (84):

{وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: {يا أسفى على يوسف} قال: يا حزناً.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يا أسفى على يوسف} قال: يا حزناً على يوسف.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {يا أسفى على يوسف} قال: يا جزعاً.
وأخرج أبو عبيد وابن سعيد وابن أبي شيبة وابن المنذر، عن يونس رضي الله عنه قال: لما مات سعيد بن الحسن حزن عليه الحسن حزناً شديداً، فكلم الحسن في ذلك فقال: ما سمعت الله عاب على يعقوب عليه السلام الحزن.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وأبو الشيخ، عن الحسن رضي الله عنه قال: كان منذ خرج يوسف عليه السلام من عند يعقوب عليه السلام إلى يوم رجع، ثمانون سنة لم يفارق الحزن قلبه، ودموعه تجري على خديه. ولم يزل يبكي حتى ذهب بصره. والله ما على وجه الأرض يومئذ خليقة أكبر على الله من يعقوب.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: لم يعط أحد الاسترجاع غير هذه الأمة، ولو أعطيها أحد لأعطيها يعقوب عليه السلام. ألا تستمعون إلى قوله: {يا أسفى على يوسف}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الأحنف بن قيس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن داود قال: يا رب، إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحق ويعقوب، فاجعلني لهم رابعاً. فأوحى الله إليه أن إبراهيم ألقي في النار بسببي فصبر، وتلك بلية لم تنلك. وأن إسحاق بذل مهجة دمه في سببي فصبر، وتلك بلية لم تنلك، وأن يعقوب أخدت منه حبيبه حتى ابيضت عيناه من الحزن فصبر، وتلك بلية لم تنلك».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {فهو كظيم} قال: حزين.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- إن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {فهو كظيم} ما الكظيم؟ قال: المغموم. قال فيه قيس بن زهير:
فإن أك كاظماً لمصاب شاس ** فإني اليوم منطلق لساني

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فهو كظيم} قال: كظم الحزن.
وأخرج ابن المبارك وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فهو كظيم} قال: كظم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً، أو في لفظ: يردد حزنه في جوفه ولم يتكلم بسوء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن عطاء الخراساني رضي الله عنه في قوله: {فهو كظيم} قال: فهو مكروب.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {كظيم} قال: مكروب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن الضحاك رضي الله عنه قال: الكظيم الكمد.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {فهو كظيم} قال: مكمود.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ، عن ابن زيد رضي الله عنه قال: الكظيم الذي لا يتكلم، بلغ به الحزن حتى كان لا يكلمهم.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ليث بن أبي سليم رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام، دخل على يوسف عليه السلام في السجن فعرفه، فقال له: أيها الملك الكريم على ربه، هل لك علم بيعقوب؟ قال نعم. قال: ما فعل؟ قال: ابيضت عيناه من الحزن عليك. قال: فماذا بلغ من حزنه؟ قال: حزن سبعين مثكلة. قال: هل له على ذلك من أجر؟ قال: نعم. أجر مائة شهيد.
وأخرج ابن جرير من طريق ليث، عن ثابت البناني رضي الله عنه مثله سواء.
وأخرج ابن جرير من طريق ليث بن أبي سليم، عن مجاهد رضي الله عنه قال: حدثت أن جبريل عليه السلام، دخل على يوسف عليه السلام وهو بمصر في صورة رجل، فلما رآه يوسف عليه السلام عرفه، فقام إليه فقال: أيها الملك الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، الكريم على ربه، هل لك بيعقوب من علم؟ قال: نعم. قال: فكيف هو؟... فقال: ذهب بصره. قال: وما الذي أذهب بصره؟ قال: الحزن عليك. قال: فما أعطي على ذلك؟ قال: أجر سبعين شهيداً.
وأخرج ابن جرير، عن عبد الله بن أبي جعفر رضي الله عنه قال: دخل جبريل عليه السلام على يوسف عليه السلام في السجن فقال له يوسف: يا جبريل، ما بلغ من حزن أبي؟ قال: حزن سبعين ثكلى. قال: فما بلغ أجره من الله؟ قال: أجر مائة شهيد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن خلف بن حوشب مثله.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: لما أتى جبريل عليه السلام يوسف عليه السلام بالبشرى وهو في السجن قال: هل تعرفني أيها الصديق؟ قال: أرى صورة طاهرة، وريحاً طيبة لا تشبه أرواح الخاطئين.
قال: فإني رسول رب العالمين، وأنا الروح الأمين. قال: فما الذي أدخلك إلى مدخل المذنبين، وأنت أطيب الطيبين، ورأس المقربين، وأمين رب العالمين؟؟؟... قال: ألم تعلم يا يوسف، أن الله يطهر البيوت بمطهر النبيين؟ وأن الأرض التي تدخلونها هي أطيب الأرضين؟ وأن الله قد طهر بك السجن وما حوله بأطهر الطاهرين وابن المطهرين؟ إنما يتطهر بفضل طهرك وطهر آبائك الصالحين المخلصين. قال: كيف تسميني بأسماء الصديقين وتعدني من المخلصين، وقد دخلت مدخل المذنبين، وسميت بالضالين المفسدين؟... قال: لم يفتن قلبك الحزن، ولم يدنس حريتك الرق، ولم تطع سيدتك في معصية ربك، فلذلك سماك الله بأسماء الصديقين، وعدّك مع المخلصين، وألحقك بآبائك الصالحين. قال: هل لك علم بيعقوب؟ قال: نعم، وهب الله له الصبر الجميل، وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم. قال: فما قدر حزنه؟ قال: سبعين ثكلى. قال: فماذا له من الأجر؟ قال: قدر مائة شهيد.
وأخرج ابن جرير، عن عكرمة رضي الله عنه قال: أتى جبريل عليه السلام، يوسف عليه السلام وهو في السجن، فسلم عليه، فقال له يوسف: أيها الملك الكريم على ربه، الطيب ريحه، الطاهر ثيابه، هل لك علم بيعقوب؟ قال: نعم، ما أشد حزنه!.. قال: ماذا له من الأجر؟ قال: أجر سبعين ثكلى. قال: أفتراني لاقيه؟ قال: نعم. فطابت نفس يوسف.
وأخرج ابن جرير، عن الحسن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سئل «ما بلغ وجد يعقوب على ابنه؟ قال: وجد سبعين ثكلى. قيل فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد، وما ساء ظنه بالله ساعة من ليل أو نهار».
وأخرج أحمد في الزهد، عن عمرو بن دينار أنه ألقي على يعقوب عليه السلام حزن سبعين مثكل، ومكث في ذلك الحزن ثمانين عاماً.

.تفسير الآيات (85- 86):

{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)}
أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {تالله تفتأ تذكر يوسف} قال: لا تزال تذكر يوسف {حتى تكون حرضاً} قال: دنفاً من المرض {أو تكون من الهالكين} قال الميتين.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف} قال: لا تزال تذكر يوسف، لا تفتر عن حبه {حتى تكون حرضاً} قال: هرماً {أو تكون من الهالكين} قال: أو تموت.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه {حتى تكون حرضاً} قال: الحرض الشيء البالي {أو تكون من الهالكين} قال الميتين.
وأخرج ابن الأنباري والطستي، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {تفتأ تذكر يوسف} قال: لا تزال تذكر يوسف. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
لعمرك لا تفتأ تذكر خالدا ** وقد غاله ما غال تبع من قبل

قال: أخبرني عن قوله: {حتى تكون حرضاً} قال: الحرض، المدنف الهالك من شدة الوجع. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الشاعر وهو يقول:
أمن ذكر ليلى أن نأت قرية بها ** كأنك حم للأطباء محرض

وأخرج ابن جرير عن طلحة بن مصرف الأيامي قال: ثلاثة لا تذكرهن واجتنب ذكرهن: لا تَشْكُ مرضك، ولا تَشْكُ مصيبتك، ولا تُزَكِّ نفسكَ. قال: وأنبئت أن يعقوب عليه السلام دخل عليه جار له فقال: يا يعقوب، ما لي أراك قد انهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك؟ قال: هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من هم يوسف، وذكره. فأوحى الله إليه «يا يعقوب، اتشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب، خطيئة أخطأتها فاغفرها لي. قال: فإني قد غفرت لك». فكان بعد ذلك إذا سئل قال: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير، عن مسلم بن يسار رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من بث لم يصبر» ثم قرأ {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإِيمان، عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنوز البر، إخفاء الصدقة، وكتمان المصائب والأمراض، ومن بث لم يصبر».
وأخرج البيهقي من وجه آخر، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب رضي الله عنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كنوز البر: كتمان الصدقة، وكتمان المصيبة، وكتمان المرض».
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه، عن أنس- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح حزيناً على الدنيا، أصبح ساخطاً على ربه. ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به، فإنما يشكو الله. ومن تضعضع لغني لينال من دنياه، أحبط الله ثلثي عمله. ومن أعطي القرآن فدخل النار، فأبعده الله».
وأخرج البيهقي وضعفه، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً مثله.
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ثلاث من ملاك أمرك: أن لا تشكو مصيبتك، وأن لا تحدث بوجعك، وإن لا تزكي نفسك، بلسانك.
وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي، عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: وجدت في التوراة أربعة أسطر متوالية: من شكا مصيبته فإنما يشكو ربه، ومن تضعضع لغني ذهب ثلثا دينه، ومن حزن على ما في يد غيره فقد سخط قضاء ربه، ومن قرأ كتاب الله فظن أن لا يغفر له، فهو من المستهزئين بآيات الله.
وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي، عن الحسن رضي الله عنه قال: من ابتلى ببلاء فكتمه ثلاثاً، لا يشكو إلى أحد، أتاه الله برحمته.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن حبيب بن أبي ثابت: أن يعقوب عليه السلام، كان قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، فكان يرفعهما بخرقة. فقيل له: ما بلغ بك هذا؟ قال طول الزمان، وكثرة الأحزان. فأوحى الله إليه «يا يعقوب، أتشكوني؟ قال: يا رب، خطيئة أخطأتها، فاغفر لي».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن نصر بن عربي قال: بلغني أن يعقوب عليه السلام، لما طال حزنه على يوسف، ذهبت عيناه من الحزن. فجعل العوّاد يدخلون عليه فيقولون: السلام عليك يا نبي الله، كيف تجدك؟ فيقول: شيخ كبير قد ذهب بصري. فاوحى الله إليه «يا يعقوب، شكوتني إلى عوادك؟ قال: أي رب، هذا ذنب عملته لا أعود إليه» فلم يزل بعد يقول {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنما أشكو بثي}. قال: همي.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {أشكو بثي} قال: حاجتي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {وأعلم من الله ما لا تعلمون} يقول: أعلم أن رؤيا يوسف عليه السلام صادقة، وإني سأسجد له.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإِيمان، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه قال: سمعت نشيج عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإني لفي آخر الصفوف في صلاة الصبح، وهو يقرأ {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي، عن علقمة بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه العشاء، فقرأ سورة يوسف عليه السلام، فلما أتى على ذكر يوسف عليه السلام، نشج حتى سمعت نشيجه وأنا في مؤخر الصفوف.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا أن يعقوب عليه السلام، لم تنزل به شدة بلاء قط إلا أتاه حسن ظنه بالله من وراء بلائه.
وأخرج ابن المنذر عن عبد الرزاق رضي الله عنه قال: بلغنا أن يعقوب عليه السلام قال: «يا رب، أذهبت ولدي، وأذهبت بصري!... قال: بلى، وعزتي وجلالي وإني لأرحمك، ولأردنَّ عليك بصرك وولدك. وإنما ابتليتك بهذه البلية، لأنك ذبحت جملاً فشويته، فوجد جارك ريحه فلم تنله».
وأخرج إسحاق بن راهويه في تفسيره، وابن أبي الدنيا في كتاب الفرج بعد الشدة، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان ليعقوب عليه السلام أخ مؤاخ، فقال له ذات يوم: يا يعقوب، ما الذي أذهب بصرك؟ وما الذي قوس ظهرك؟ قال: أما الذي أذهب بصري، فالبكاء على يوسف. وأما الذي قوس ظهري، فالحزن على بنيامين. فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا يعقوب، إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: ما تستحي تشكوني إلى غيري؟ فقال يعقوب عليه السلام {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} فقال جبريل عليه السلام: الله أعلم بما تشكو يا يعقوب. ثم قال يعقوب: أما ترحم الشيخ الكبير؟ أذهبت بصري وقوست ظهري، فاردد علي ريحانتي أشمه شمة قبل الموت، ثم اصنع بي ما أردت. فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا يعقوب، إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أبشر وليفرح قلبك، فوعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك. فاصنع طعاماً للمساكين، فإن أحب عبادي إلي: الأنبياء والمساكين. وتدري لم أذهبت بصرك وقوست ظهرك، وصنع إخوة يوسف به ما صنعوا؟ إنكم ذبحتم شاة فأتاكم مسكين وهو صائم فلم تطعموه منها شيئاً. فكان يعقوب عليه السلام إذا أراد الغداء أمر منادياً ينادي، ألا من أراد الغداء من المساكين فليتغد مع يعقوب، وإذا كان صائماً، أمر منادياً ألا من كان صائماً، من المساكين فليفطر مع يعقوب».